- Unknown
- 1:50 م
- سلام و القرءان
- لاتوجد تعليقات
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أتمنى ان تعجبكم هدهد المقالة الرائعة حول الفرق بين السنة و الشيعة
كثيرا ما يدور على الالسن هذا السؤال: ما الفرق بين السنة والشيعة، مع العلم بأن الاسلام يجمع الفريقين؟
الجواب:
يتفق السنة والشيعة على أن الدين عند الله الاسلام، وأن الطريق أليه كتاب الله، وسنة نبيه، وأن الكتاب هو هذا الذي بين الدفتين دون زيادة أو نقصان، وإن اختلفوا في شئ ففي ببعض أسباب النزول، أو في فهم بعض الآيات. واتفقوا أيضا على وجوب العمل باسنة النبوية واختلفوا في طريق ثبوتها، وبكلمة لم يختلفوا في النبي، بل عنه كما قال الامام علي، وهذا الاختلاف في فهم بعض الآيات وفي السببيل التي تثبت بها السنة النبوية انتج الخلاف في بعض الفروق في الاصول والفروع، وحاصلها أن القضايا الدينية تنقسم إلى أصول عقائدية أساسية، ومسائل فرعية تشريعية، وسنبين فيما يلي ما اتفقا عليه، وما اختلفا فيه مما يتصل بالعقائد، أما المسائل التشريعية فنتعرض لمداركها، وللمبادئ التي تستخرج منها، كالكتاب والسنة وما إليهما، أما المسائل نفسها فلا حصر لها، وقد تعرضنا إلى كثير منها في كتاب " الفقه على المذاهب الخمسة ".
و " الزواج والطلاق على المذاهب الخمسة ". و " الوصايا والمواريث على المذاهب الخمسة ".
العقائد:
إن المسلمين جميعا يؤمنون بالله، ونبوة محمد، وبالبعث والحساب، واتفقوا بكلمة واحدة على أن من جحد أصلا من هذه الاصول االثلاثة فليس من السلام في شئ، وأيضا اتفقوا على أن من أنكر وجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة،
/ صفحة 76 /
واستحل شيئا من المحرمات الضرورية، كالخمر والزنا والسرقة والقمار والكذب وقتل النفس المحرمة، وما إلى ذاك مما ثبت بضرورة الدين، واتفقت عليه كلمة المسلمين فليس بمسلم، حتى ولو قال: " لا له إلا الله محمد رسول الله "، لان إنكار شئ ممن هذا النوع يستدعي إنكار نبوة محمد وشريعته، وهذه هي المبادئ التي تجمع فرق الممسلمين على كثرتهم وتنوع آرائهم.
ثم اختلف السنة (1) والشيعة في أمور، منها ما يتصل بالعقيدة، ومنها يتصل بمبادئ التشريع، فمن الاولى:
معرفة الله:
1 - بعد أن اتفق الامامية والسنة على أن معرفة الله واجبة على كل إنسان، بمعنى أن عليه أن يبحث، وينظر إلى الدلائل التي تؤدي به إلى الجزم واليقين بوجود الخالق اختلفوا في مصدر هذا الوجوب: هل هو العقل أو الشرع؟
قال الامامية: إن معرفة الله تجب بالعقل، لا بالشرع، أي إن العقل هو الذي أوجب على الانسان أن يعرف خالقه، أما ما جاء في الشرع من هذا الباب كقوله تعالى " فاعلم أنه لا إله إلا هو فهو بيان وتأكيد لحكم العقل، وليس تأسيسا جديدا من الشارع.
وقال السنة: بل تجب المعرفة بالشرع لا بالعقل، أي أن الله وحده هو الذي أوجب على الناس أن يعرفوه.
رؤية الله:
2 - قال بعض السنة: رؤية الله ممكنة في الدينا والآخرة، والبعض قال بإمكانها في الآخرة فقط، بل قال الحنابلة: إنه جسم، ولكن لا كالاجسام.
وقال الامامية: إن رؤية الله محال وغير ممكنة لا في الدينا ولا في الآخرة.
صفات الباري:
3 - قال السنة: إن صفات الله غير ذاته.
وقال الامامية: بل هي عينها.
ــــــــــــــــــــ
(1) نريد من السنة الاشاعرة، لان السنة الموجودين الآن كلهم أتباع أبي الحسن الاشعري.
/ صفحة 77 /
وقال السنة: إن أفعال الله لا تعلل بالاغراض والمقاصد، أي إنه تعالى لا يفعل شيئا لغاية خاصة، لانه لا يجب عليه شئ، ولا يقبح منه شئ.
وقال الامامية: إن جميع أفعاله معللة بمصالح تعود على الناس، أو تتعلق بنظام الكون " سبحانك ما خلقت هذا باطلا ".
وقال السنة: كلام الله قديم وغير مخلوق.
وقال الامامية: بل هو حادث ومخلوق.
وقال الامامية: إن أمر الله بالشئ يدل على إرادته له، وإن نهيه عنه يدل على كراهيته للمنهي عنه، ومحال أن يأمر بما يكره، وينهى عما يحب.
وقال السنة: إن الله يأمر بما لا يريد، بل ربما أمر بما يكره، وإنه ينهيى عما لا يكره، وربما نهى عما يحب.
وقال السنة: الخير ولشر من الله، وإنه هو الذي فعل ويفعل الظلم والشرك، وجميع القبائح، لانه خالق كل شئ.
وقال الامامية، الخير من الله، بمعنى أنه أراده وأمر به، ومن العبد أيضا، لانه صدر منه باخنياره ومشيئته، أما الشر فمن العبد فقط، لانه فاعله، وليس من الله، لانه نهى عنه، والقبائح يستحيل فعلها على الله عز وجل.
وقال السنة: يجور أن يكلف الله الناس بما لا يطيقون، لانه لا يجب عليه شئ ولا يقبح منه شى.
وقال الامامية: التكليف بغير المقدور ممتنع عقلا وشرعا.
وقال الامامية: الانسان مخير لا مسير.
وقال السنة: إنه مسير لا مخير.
وقال السنة: إن العقل لا يدرك حسنا ولا قبحا، وإنما الحسن ما أمر به الشرع، والقبيح ما نهى عنه، ولو أمر بما نهى لصار حسنا، بعد أن كان قبيحا. او نهى عما امر به لصار قبيحا بعد ان كان حسنا ولذا يقولون:
هذا حسن، لان الله أمر به، وهذا قبيح، لانه نهى عنه.
وقال الامامية: إن العقل يدرك الحسن والقبح مستقلا عن الشرع، ويقولون:
أمر الله بهذا، لانه حسن، ونهى عنه، لانه قبيح.
وقال الشيعة: إن جميع المسببات ترتبط بأسبابها، فالماء هو الذي يروي
/ صفحة 78 /
والطعام هوالذي يشبع، والنار هي التي تحرق.
وقال السنة: لا سبب إلا الله فهو الذي يحدث الري عند الشرب وهو الذي يحدث الشبع عند الاكل، والاحراق عند النار، وقال بعضهم: بتكفير من اعتقد أن الله أودع قوة الري في الماء، والاحراق في النار، وما إلى ذاك.
بعثة الانبياء وعصمتهم:
قال السنة: لا يجب على الله أن يبعث أنبياء يبينون للناس موارد الخير والشر، ويجوز أن يتركهم بلا هاد ولا مرشد، لانه لا يجب عليه شئ، ولا يقبح منه شئ.
وقال الامامية: بل تجب بعثة الانبيا، لانهم يقربون الناس الى الطاعة، ويبتعدون بهم عن المعصية.
وقال السنة تجوز الذنوب على الانبياء الكبائر منها والصغائر قبل أن يصبحوا أنبياء، أما بعد النبوة فلا يجوز عليهم الكفر ولا تعمد الكذب، وتجوز عليهم الصغائر عمدا وسهوا، والكبائر سهوا لا عمدا.
وقال الامامية: لانبياء معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها، قبل النبوة وبعدها، ولا يصدر عنهم ما يشين لا عمدا ولا سهوا، وإنهم منزهون عن دناءة الآباء، وعهر الامهات.
الامامة:
قال السنة: إن الامام يتعين بالنتخاب: ويكفي أن يبايعه شخص واحد، حتى تتم له البيعة، والعصمة ليست بشرط عندهم في الامام. وأوجب المالكية والشافعية والحنابلة الصبر على جور الحاكم وظلمه، ومنعوا من الخروج عليه.
وقال الامامية: يتعين الامام بنص النبي، أو بنص إمام معصوم، وإن النبي قد نص بالخلافة على علي بعده بلا فاصل وأوجبوا له العصمة، كما أوجبوا الخروج على الحاكم الجائر بقيادة الامام المعصوم، أو بفتوى المجتهد العادل.
وقال السنة: يجوز أن يتقدم المفضول على الفاضل، وغير الاعلم والاكمل على الاعلم والاكمل.
/ صفحة 79 /
وقال الامامية: يجب تقديم الاعلم والاكمل. وقد أبي عمر بن الخطاب أن يساوي في العطاء بين الفاضل والمفضول، علاوة على تقديم الثاني على الاول.
هذي هي مجمل الفروق بين السنة والشيعة فيما يتصل بالعقيدة (1) أما الفروق التي ترجع إلى مدارك الاحكام فتتلخص بما يلي:
الكتاب:
اتفقوا جميعا على أن الكتاب أحد مصادر التشريع، بل هو المصدر الاول، وأيضا اتفقوا على أن عموماته تخصص بالخبر المتواتر الذي يفيد العلم، وبالخبر المشهور المفيد للاطمئنان، ومثال ذلك آيات المواريث بين الاقارب، فإنها تخصص بحديث " لا يرث القاتل " لانه من الحاديث المتواترة عند السنة والشيعة، واختلفوا في تخصيص عمومات الكتاب بالخبر الواحد الذي لم يصل إلى حد التواتر أو الشهرة.
قال الحنفية: يطرح الخبر الواحد، ويبقى الكتاب على عمومه.
وقال الامامية والمالكية والشافعية والحنابلة: الخبر يخصص عمومات الكتاب (2).
وفي كتاب " أصول الفقه " للخضري أن الشافعي قال: إن الكتاب ينسخ بالكتاب، ولا ينسخ بالسنة، وقال الجمهور - أي بقية المذاهب -: لا مانع من نسخ الكتاب بالسنة.
وعند الامامية: أن الكتاب ينسخ بالخبر المتواتر، ولا ينسخ بالخبر الواحد.
وعلى أية حال، فقد اتفق الجميع على عدم العمل بظواهر الكتاب إلا بعد
ــــــــــــــــــــ
(1) ما نقلناه عن السنة مصدره الجزء الثامن من كتاب المواقف للايجي وشرحه للجرجاني، وشرح التجريد للقوشجي، والمذاهب الاسلامية لابي زهرة، أما مصادر الامامية فالتجريد وشرحه، وكشف الفوائد في شرح العقائد، المتن للطوسي، والشرح للعلامة الحلي.
(2) قال أبو زهرة في كتاب الامام الصادق: " إن الامامية مختلفون فيما بينهم في تخصيص الكتاب بالخبر وقال الميرزا النائيني الامامي في تقريراته: إن هذه المسألة متفق عليها، وذكرها في كتب الاصول لا تدل على أنها خلافية، وقال الشيخ الخراساني في كفاية الاصول: إن سيرة العلماء والاصحاب على ذلك خلفا عن سلف. (*)
/ صفحة 80 /
الفحص والرجوع إلى السنة لانببوية، ومقابلة الآية المبينة للحكم مع الاحاديث التي وردت في بابه، لان السنة بيان وتفسير للقرآن.
السنة النبوية:
أجمع المسلمون بكلمة واحدة على أن ما ثبت عن الرسول بطريق اليقين فهو حجة متبعة، تماما كالقرآن، لقوله تعالى: " ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عن فانتهوا ".
ولكن أبا حنيفة لم يثبت عنده من أحاديث الرسول إلا سبعة عشر حديثا، لانه لا يقبل الحديث إلا إذا رواه جماعة عن جماعة، أو اتفق فقهاء الامصار على العمل به، او رواه صحابي، ولم يخالفه فيه أحد. وهذا التشدد في الحديث أدى به إلى تضييق العمل بالسنة، أو طرحها بالنتيجة، والتوسع في العمل بالرأي، سواء أكان الرأي قياسا أم استحسانا أم مصالح مرسلة. " ومن الامور الظاهرة في فقه أبي حنيفة الحيل الشرعية، وقد أصبحت فيما بعد بابا واسعا من أبواب الفقه في مذهب أبي حنيفة وغيره من المذاهب، وإن كانت في مذهب أبي حنيفة أظهر " (1).
ومعنى اقتصار أبي حنيفة على العمل ب 17 حديثا فقط أنه في النتيجة لا يعتمد على السنة كمصدر للتشريع، وأن صحيح البخاري ومسلم، وبقية الصحاح المحتوية على مئات الحاديث ليست بشئ، مع أن الحنفية يعتبرونها، ويعملون بها خلافا لمبدأ إمامهم أبي حنيفة.
أما ابن حنبل فيأخذ بالحديث الصحيح إن وجده، وإلا فبما أفتى به الصحابة، وإن اختلفوا تخير، وإلا فبالحديث المرسل والضعيف، وإن فقد كل هؤلاء التجأ إلى الرأي من قياس واستصلاح. ولا يعمل به إلا عند الضرورة.
وبهذا يتبين الفرق بين مسلك ابن حنبل، ومسلك أبي حنيفة، فالاول يوسع دائرة الاخبار، ويضيق دائرة الرأي، والثاني على العكس يوسع دائرة الرأي، ويضيق دائرة الاخبار، ومن هنا كان المدى بعيدا بين فقه المذهبين.
أما مالك فوسط بين الاثنين، فهو لا يشترط في الحديث الشهرة كأبي
ــــــــــــــــــــ
(1) ضحى الاسلام لاحمد أمين ج 2، والمدخل إلى علم أصول الفقه للدواليبي. (*)
/ صفحة 81 /
حنيفة، ولا يأخذ بالضعيف كما هي الحال عند ابن حنبل، ويعمل بالخبر الواحد بشرط عدالة الراوي، أو أمانته، ولكنه يقدم عمل أهل المدينة على الحديث لاصحيح، ويرى أن الناس لهم تبع، وإذا أعوزه عمل أهل المدينة، والحديث الصحيح لجأ إلى الرأي بجميع أقسامه من قياس واستحسان واستصلاح.
أما الشافعي فيأخذ بالحديث إذا رواه ثقة عن ثقة مشهورا كان أو غير مشهور، وإذا لم يجده عمل بالقياس فقط دون الاستحسان والاستصلاح.
أما الامامية فيأخذون بكل حديث يرويه الثقات عن رسول الله، أو عن أحد أئمتهم الاطهار (1) ويعتقدون أن أقوال الامام في الشريعة هي عين أقوال جدهم رسول الله (ص)، سواء أأسندها إليه، أم أرسلها بدون إسناد، وأن الكذب والخطأ محال في حقه، وبهذا كان عندهم من الاحاديث ما يغنيهم عن الرأي بشتى أقسامه، قال الشيخ جعفر في كتابه " كشف الغطاء " المسألة السادسة والاربعون: " إن الفقيه - أي الامامي - لا يحتاج إلى الادلة الظنية، لانه في غنى - غالبا - بالآيات القرآنية، والاخبار المتواترة المعنوية والسيرة القطعية التلقاة خلفا بعد سلف من زمان الحضرة النبوية والامامية ".
ومن هنا كان الاختلاف بين فقهاء الامامية أقل وأضيق من الاختلاف بين أئمة المذاهب الاربعة، لان العمل بالحديث وبالرأي عند الربعة يختلف سعة وضيقا، أما الامامية فهم متفقون على مصادر التشريع ومدارك الفقه.
ورب قائل: إن الامامية يعدون العقل من الادلة الفقهية، ويلجأون إليه، حيث يعوزهم النص، وهذا عين العمل بالرأي، أو قريب منه.
الجواب:
إن الفرق بين الرأي الذي يعتمده السنة، وبين العقل الذي يعتمده الامامية تماما كالفرق بين الذات والموضوع. فالسني حين يعتمد على الرأي يتخذ من نفسه مشرعا للاحكام، ويصرف النظر عن المشرع الحق، أما الامامي حين
ــــــــــــــــــــ
(1) لا يشترط الاماية في الراوي أن يكون إماميا، ويكتفون بصدقه وأمانته سنيا كان أو شيعيا، وقد صرحوا بذلك في جمميع كتب الرجال، منها كتاب " تنقيح المقال " للمقمقاني قال في جلد 1 ص 206:
" ورد النص عن الامام أن نأخذ برواية من خالفنا دون ما رآه، وقد لزمنا بذلك العمل بالخبر الموثوق الذي هو في اصطلاح العلماء من كان ثقة غير إمامي ". (*)
/ صفحة 82 /
يعتمد العقل فإنه يعتمده كطريق كاشف عن حكم الشرع - مثلا - السني يحكم بنجاسة النبيذ لمجرد ظنه وحدسه بأن سبب النجاسة هو السكر، دون أن يعتمد في ذلك على نص من الكتاب أو السنة. أما الامامي فيقول: لا يسوغ لنا أن نستخرج من عند أنفسنا علة النجاسة ما دام الذي حرم الخمر وأوجب نجاستها لم ينص على العلة، أما إذا نص عليها، وقال: الخمرة نجسة، لانها مسكرة ساغ لنا، والحال هذه، أن نعمم الحكم لكل مسكر، وبدون هذا النص لا يجوز لنا بحال أن نتأول ونتمحل، وإلا اتخذنا لانفسنا صفة التشريع ووضع الاحكام.
وقد مثل الامامية لحكم العقل بقضايا عقلية بحتة، كحكمه بقبح الظلم، والاعانة على الاثم، وقبح الكذب الضار، وحسن الصدق النافع، ورد الوديعة، والبراءة الاصلية فيما لا نص فيه، لقبح العقاب بلا بيان، وكتقديم الاهم على المهم، وما إلى ذاك مما يعلم فيه حكم الشرع بالضرورة والبداهة، على أن أكثر القضايا التي استقل العقل بإدراكها قد ورد فيها نص صريح من الشرع مؤكدا لحكم العقل.
الصحابة:
قال السنة: إن الصحابة جميعهم عدول، ولا تطلب تزكيتهم (مسلم الثبوت وشرحه وأصول الفقه للخضري).
وقال الامامية: إن الصحابة كغيرهم، فيهم الطيب والخبيث، والعادل والفاسق.
واتفق السنة على أن فتوى الصحابي ليست حجة على صحابي مثله، واختلفوا هل هي حجة على غير الصحابي.
قال مالك. والشافعي في القديم وابن حنبل في رواية: إن قول الصحابي حجة على غير الصحابي، تماما كسنة رسول الله (مسلم الثبوت وشرحه).
وقال الامامية: إن فتوى الصحابي ليست بحجة على أحد، وإنه من هذه الجهة لا يمتاز في شئ عن غيره.
الاجتهاد:
أقفل السنة باب الاجتهاد مقتصرين على المذاهب الربعة منذ القرن الرابع
/ صفحة 83 /
الهجري، وما زال مقفلا عندهم، حتى اليو، وفي الايام الاخيرة دعا أفراد من علمائهم إلى فتحه، كالشيخ محمد عبده والشيخ المراغي وشيخ الازهر فضيلة الشيخ شلتوت.
وباب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه عند الامامية لكل من له الاهلية والكفاءة.
وأجاز السنة أن يقلد الجاهل في الاحكام الشرعية العالم الميث. وأكثر الامامية على عدم الجواز.
قال السيد محسن الامين في الجزء الاول من " أعيان الشيعة ": إن سد باب الاجتهاد عند السنة أقرب إلى المصلحة ما داموا عاملين بالرأي، لان العمل به يستدعي تعدد الاقوال، وإشاعة الخلافات والمنازعات، أما فتحه عند الشيعة فلا يستدعي شيئا من ذلك، لان مدارك الاحكام عندهم ترتكز على أساس معين ومحدد. وفات السيد رحمه الله أن فتحه عند الشيعة جرأ الكثير من جهالهم على انتحاله كذبا وافتراء.
وبالمناسبة نذكر محاورة طريفة جرت بين السيد الامين، وعالم سني بدمشق، قال هذا العالم للسيد: أنا لو علمت مذهب الامام جعفرالصادق لما عدوته، ولكن لا سبيل إلى العلم به، لان الشيعة يكذبون في نسبة مذهبهم إليه.
قال له السيد: إن مذهب كل إنسان يعلم من أتباعه، ويؤخذ منهم، فقد علمنا مذهب رسول الله (ص) من المسلمين، وعلمنا مذهب أبي حنيفة مما نقله عنه أتباعه الاحناف، وكذلك مذهب الشافعي وأحمد ومالك، فيجب أن يكون الامر كذلك بالنسبة لمذهب الامام الصادق.
فقال العالم السني: لا بد من حكم خارج عن الفريقين.
فقال السيد: إذن نحكم اليهود والنصارى.
قال السني: كيف تقول هذا؟
قال السيد: أنت قلته، لا أنا. فبهت وسكت.
التصويت والتخطئة:
قال الامامية: إن الله في كل واقعة حكما معينا، فمن ظفر به فهو المصيب،
/ صفحة 84 /
وله أجران، أو أكثر. ومن أخطأه فهو المجتهد المخطئ، وله اجر واحد على بحثه واجتهاده.
واختلف السنة فيما بينهم، فقال الشافعي بمقالة الامامية (اللمع لابي إسحق الشيرازي الشافعي).
وقال الغزالي في المستصفى ج 2 ص 361 سنة 1324 ه: " ذهب بسر المريسي إلى أن الاثم غير محطوط عن المجتهدين في الفروع. فمن أخطأ فهو آثم وتابعه على هذا ابن علية وأبوبكر الاصم، ووافقه جميع نفاة القياس، ومنهم الامامية ".
وغريب هذا الخطأ الفاضح المشين من عالم كالغزالي، فقد ذكر الامامية في كتب الحديث والفقه والاصول ان المجتهد المخطئ معذور، وفي كتاب " كشف الغطاء " للشيخ جعفر البحث السابع والاربعين ص 39 ما نصه بالحرف " اشتهر على لسان الفريقين - أي السنة والشيعة - رواية أن الفقيه إذا أخطا كان له حسنة، وإذا أصاب فله عشر ".
وقال الغزالي ومالك وأبو حنيفة: ان كل مجتهد مصيب، لان الحكم الواقعي يتبع ظن المجتهد، ويقال لهؤلاء مصوبة. (المستصفى واللمع والخضري).
وعلى أية حال، فمن نسب إلى جميع السنة القول بالتصويب فقد اشتبه، كما اشتبه الغزالي في نسبته الى الامامية القول بان المجتهد المخطئ آثم.
رائحة التشيع:
قال لي أحد الاخوان: أصحيح أن السنة يشترطون في الراوي ان لا تكون فيه رائحة التشيع؟ وهل وجدت في كتبهم مصدرا لهذا القول؟
قلت له: هذا قول المتعصبين منهم، وليس مبدأ عاما عند علمائهم.
ان المحققين والمنصفين يشترطون فيما يشترطون للاخذ برواية الراوي أن لا يستحل الكذب في دينه، وكفى. نقل الغزالي في كتاب " المستصفى " عن الشافعي أنه قال: تقبل شهادة أهل الاهواء إلا الخطابية من الرافضة، لانهم يرون الشهادة بالزور لمن وافقهم بالمذهب ".
وقال الخضري في الكتاب " أصول الفقه " ص 213 سنة 1938: " أما
/ صفحة 85 /
المبتدعون ببدع غير مكفرة فأكثرهم على القول بقبول رواياتهم. وهو المعقول ما داموا لا يدينون بالكذب، ولا نظن هذا معتقدا لأي طائفة من المسلمين، وإن نسب الى الخطابية أنهم يدينون بالشهادة لمن يوافقهم في الاعتقاد " (1).
وروى اصحاب الصحاح الستة عن رجال من الشيعة كإبان بن تغلب، وجابر الجعفي، ومحمد بن حازم وعبيد الله بن موسى وغيرهم.
وعلى سبيل التفكهة نقل ما ذكره نظام الدين الأنصاري في كتاب " فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت " المطبوع مع المستصفي سنة 1324 ه. ص 140 ج 2، قال:
" اما المبيحون للكذب فلا تقبل رواياتهم البتة، لأنهم ما جاز في دينهم على زعمهم الكذب لا يبالون بالاارتكاب عليه، ومنهم الروافض الغلاة والإمامية، فإن الكذب فيهم أظهر وأشهر، حتى صاروا مضرب المثل في الكذب، وجوزوا ارتكاب جميع المعاصي. فلا أمان لهم أن يكذبوا على رسول الله، ولا هم يبالون بالكذب على رسول الله وأصحابه، ومن نظر في كتبهم لم يجد أكثر المرويات إلا موضوعة مفتراة ".
وإذا كان أكثر روايات الإمامية كذبا وافتراء، فمعنى ذلك أن التوحيد ونبوة محمد والبعث والنشر سخف وهراء، ووجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة سراب وهباء، وتحريم الزنا والكذب والسرقة جهل وعماء، لأن روايات الإمامية جلها في ذلك. تعالى الله ورسوله علوا كبيرا.
ولا نعرف فرقة من المسلمين تشددت في تحريم الكذب بعامة، وعلى الله والرسول بخاصة كالإمامية. فإنهم حكموا بخروج مستحله من الإسلام، وأخذوا الصدق في تحديد الإيمان، فلقد رووا عن أئمتهم أخبارا تجاوزت حد التواتر " إن الإيمان أن تؤثر الصدق، وإن ضرك على الكذب، وإن نفعك ". واختصوا دون سائر الفرق بالقول إن تعمد الكذب على الله أو رسوله من المفطرات، وإن على هذا الكاذب القضاء والكفارة، وبالغ جماعة منهم، حيث أوجبوا عليه
ــــــــــــــــــــ
(1) اختلف السنة في الأخذ برواية الجن فمنهم من أجاز، ومنهم من منع، وأجاز السيوطي للجن أن يرووا عن الأنس، ولم يجز للأنس أن يرووا عن الجن لعدم الثقة بعد التهم. (انظر كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي ص 214 مطبعة مصطفى محمد بمصر).
/ صفحة 86 /
أن يكفر بالجمع بين عتق رقبة، وصيام شهرين ممتتابعين، وإطعام ستين مسكينا.
هذا ما جاء في كتب الإمامية. فمن يكون الكذاب الكفار الإمامية، أو الذي يفتري على الأبرياء الأصفياء؟! وغريب أن ينسب إلى الإمامية هذا المتقول استحلال الكذب على رسول الله (ص)، ومع أنه جاء في كتب السنة أنفسهم أن جماعة منهم تعمدوا وضع الأحاديث على لسان رسول الله، واحتجوا بأنهم يكذبون تأييدا لدينه، وانتصارا لشريعته، فكذبهم كان للنبي لا عليه. (أضواء على السنة المحمدية لأبي رية ص 102 طبعة سنة 1958).
وهكذا يستحلون الكذب على رسول الله، ثم ينسبونه إلى غيرهم، ويقولون بالتقية، ثم يشنعون على من قال بها، تماما كما فعلوا في مسألة الجفر وعلم الغيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق